تحتوي أجسام الكائنات الحية على مؤقت ينظم نشاطات الجسم الداخلية من إفرازات الغدد وحركة الدم وضربات القلب، وكذلك حركته الخارجية مثل وقت النوم والاستيقاظ ومواعيد الأكل ووقت النشاط والعمل، وكل ذلك بصورة تلقائية من الجسم حتى لو لم نكن نمتلك ساعات، فللجسم ساعة داخلية تدور بمتوسط عدد ساعات يبلغ 24.1 ساعة مقسمة على فترة الليل والنهار، فيزداد استهلاك الجسم للطاقة في النهار، وترتفع درجة حرارته، وتزداد ضربات القلب في النهار من عشرة إلى عشرين ضربة عنها في الليل، ويزداد إدرار البول من ضعفين إلى أربعة أضعاف في النهار، كما يزداد النشاط الكهربائي في الدماغ، ويزداد عدد كريات الدم البيضاء كسلاحٍ دفاعيٍ للإنسان أثناء النهار، ويلاحظ أنّه خلال ساعات الصباح الأولى ينشط عمل الجهاز العصبي، ويبدأ الجسم بالاستعداد لاستقبال الضوء في موعده، يرافقه انخفاض ملحوظ في عمل الغدة الصنوبرية ونقص الميلاتونين (هرمون العتمة الذي يفرز ليلاً)، ويقوم الجسم بتنفيذ العديد من الوظائف، مثل رفع درجة حرارة الجسم، وإفراز بعض الهرمونات الضرورية لنشاط الجسم غير التي يفرزها في الليل.
هذا المؤقت الذي ينظم نشاطات الجسم الداخلية والخارجية اصطلح العلماء على تسميته بالساعة البيولوجية أو الساعة الحيوية، وهي عبارة عن مجموعة خلايا إلى جانب الغدة النخامية، تستشعر ضوء الشمس الذي يسقط على قاع الشبكية في النهار، لذلك إذا عاش الإنسان في ظلامٍ مستمر، فإنّه ستختلُّ وظائف الجسم الحيوية، لأن هذه الساعة البيولوجية تتعطل عن العمل، لانعدام وصول الشمس إلى قاع العين، وكذلك الحال إذا عاش الإنسان في نهار مستمر، فمن رحمة الله أن جعل لنا الليل والنهار!
اختلال الساعة البيولوجية: بينما يستيقظ البعض عند بزوغ الفجر نجد آخرين يختبؤون تحت الأغطية، ويعمل البعض بنشاط أثناء النهار بينما يعاني آخرون من الاكتئاب والنعاس أثناء العمل، فقد يتعرض الإنسان إلى اختلال في ايقاع ساعته البيولوجية، مما يؤثر سلباً على وظائف ومواعيد نشاطاته اليومية، وقد ينتج هذا الاختلال بسبب العادات الصحية الخاطئة أو نتيجة لعوامل وراثية، وقد أصبح العديد من الناس في هذا العصر يعاني الأرق وعدم القدرة على النوم، نتيجة تغير العديد من السلوكيات الصحية، فالذين يعانون من مشكلة التأخر في النوم يواجهون صعوبات في الاستيقاظ مبكراً والانتظام في مواعيد النوم، وتشير التقديرات إلى أنّ حوالي 15% من المراهقين والبالغين يعانون من “متلازمة النوم المتأخر” وهي عبارة عن اضطراب في الساعة البيولوجية للجسم مرتبط مع عدم القدرة على النوم المبكر، فنجد بعض الناس ينامون بعد عدّة ساعات من مواعيد النوم المعتاد بالإضافة إلى عدم القدرة على الاستيقاظ في الوقت المطلوب، ولكن الشخص قد يضطر للاستيقاظ مبكراً بسبب التزاماته رغماً عن ساعته البيولوجية مما يسبب له نقص نوم مزمن! وزيادة في التوتر النفسي، ومن المرجح أنّ 50% من المصابين بهذه المتلازمة يعانون من الاكتئاب، وقد يعانون من السمنة إذا دفعتهم رغبتهم لتناول الكثير من الطعام للتخلص من حالتهم النفسية، وقد يتسبب نقصان النوم المزمن في النعاس أثناء النهار في وقت العمل، فتجد مثلاً بعض الطلاب ينامون أثناء المحاضرات، وبمرور الوقت قد يساهم هذا الأمر في التعرض للزهايمر أو انفصام الشخصية، عافانا الله وإياكم.
تختل الساعة البيولوجية أيضاً بسبب السفر من منطقة إلى أخرى، بحيث يكون الفارق الزمني بين المنطقتين كبير، فيجد الشخص صعوبة في التأقلم على الزمن الجديد فينام أثناء النهار ويستيقظ في الليل.
وقد يحتاج الشخص إلى بضعة أيام للتأقلم إذا كان الفارق الزمني كبير، أو يمكنه اللجوء إلى معالج نفسي لضبط ساعته في دقائق معدودة باستخدام التنويم المغناطيسي.
المحافظة على الساعة البيولوجية:الساعة البيولوجية هي أغلى ساعة يمكن اقتناؤها فهي لا تباع بثمن، ومن دونها ستفقد احساسك بالزمن، بل سيختلف إيقاع الحياة لديك، لذلك لابدّ من المحافظة عليها مضبوطة، حتى تتناغم مع وظائفك اليومية ومتطلبات الحياة بصورة سلسة دون أرق أو اضطرابات نفسية، فالالتزام بالنوم الباكر يساعد على تأدية الأعمال اليومية بكفاءة أثناء النهار، كما يجب التقليل من المنبهات ليلاً لمنع الأرق، وإذا تعسر الأمر يمكن تناول جرعات من هرمون الميلاتونين تحت إشراف الطبيب للمساعدة على تنظيم وقت النوم.
ويُنصح بتجنب النوم وقت العصر وبعد المغيب بقليل، فهو التوقيت المسائي لعمل الغدة الكظرية، وعوضاً عن ذلك ينصح بأخذ قيلولة قصيرة بعد الظهر فهي تساعد في استمرار النشاط لبقية اليوم، فالتوتر الذي يصيب الجسم في فترة ما بعد الظهر بسب ارتفاع نسبة الأدرينالين بالدم، ينتج عنه إحساس بالتعب والإرهاق، ويصاحب ذلك شعور بالحاجة إلى النوم بصورة مشابهة للرغبة في النوم وقت الليل، إذ تساعد القيلولة على إعادة ضبط الإيقاع الحيوي للجسم، وتزيد القدرة والكفاءة على العمل والإنتاج، وتسهم في إزالة التوتر الناتج عن ارتفاع مستويات الأدرينالين بالدم ، كما أنها تعزز الذاكرة والتركيز، ويجب أن لا تزيد فترة القيلولة على 30 دقيقة بكثير فقد تؤدي إلى شعور بعدم الراحة والمزاج السيئ وصعوبة في الاستيقاظ.
ومن الأشياء التي تساعد أيضاً على ضبط الساعة البيولوجية، النظر إلى الساعة قبل النوم لمعرفة الوقت المتبقي للاستيقاظ، فالمنبه الداخلي يعمل من خلال الساعة البيولوجية على تهيئة الجسم للاستيقاظ في الموعد المحدد دون عناء.