موضوع: صناعة الافلام <موضوع حصري من مجهودي الخميس نوفمبر 21, 2013 5:45 pm
يُدرك صُناع الإعلام الأهمية الكبرى للأفلام ، فهي بِالرغم مِن أنها إحدى مشتقات الإعلام ، إلا أنها مادة لها عدة خواص تميزت بها عن العديد من أفرع الإعلام ومواده ، فهي من جهة التجارة وكسب المال، بضاعة من أكثر البضائع رواجاً ، تجارة لا خسارة فيها ، ومن الناحية الإعلامية فهي سلاح فتاك يمكن من خلاله غسل أدمغة ملايين البشر ، ومن الناحية الفكرية والتربوية والتعليمية أداة تحفيز وتوجيه قوية جداً إن أُريد لها ذلك . ومن الجانب الثقافي نستطيع أن نصفها بأنها قالب ضخم يمكن من خلاله صهر الثقافات وإعادة تشكيلها من جديد . ومن أثر وتأثير الأفلام سيكون المدخل لموضوعنا . تذكر إحدى الدراسات أن الشاب العربي إذا تخرج من الثانوية العامة يكون قد أمضى أمام الشاشة ما يعادل 22 ألف ساعة ، مقابل 14 ألف ساعة قضاها في مقاعد الدراسة . وبديهياً أن الأفلام تأخذ نصيب الأسد من ساعات المشاهدة . وعن أثر الأفلام الرهيب ، يذكر لنا الدكتور مالك الأحمد ، الإعلامي المعروف قصة غريبة وطريفة كان هو أحد أطرافها يقول : قبل أن تكون القنوات الفضائية ،كان الناس تقتصر مشاهدتهم على القنوات الرسمية ، وكان والدي قد بلغ من العمر 90 عاما ، وكان يشاهد المسلسلات المصرية ، وفي يوم من الأيام دخلت على أبي وكان يشاهد أحد تلك المسلسلات ، وقد بلغت الإثارة ذروتها ، فما كان من أبي إلا أن أطلق لدموعه العنان ، فقلت : يا أبي أتبكي وأنت تعلم أن كل ذلك مجرد تمثيل فقال : يا بني أعلم أنه تمثيل وليس حقيقة لكنه مؤثر.فإذا كانت الأفلام مؤثرة في ابن التسعين فما هو الحال مع ابن وبنت العشرين .
مثال آخر : في عام 1981م أنتج المخرج السوري مصطفى العقاد الفلم الشهير (أسد الصحراء ) ، عن المجاهد الكبير عمر المختار ومقاومته للاستعمار الإيطالي وقد كلف إنتاج هذا الفلم 30 مليون دولار نظراً للدقة والمستوى الاحترافي الذي خرج به . وقد حرك هذا الفلم الكثير في نفوس الجماهير العربية ، ناهيك عن الإثراء الفكري عن حقبة منسية من تاريخنا العربي ، كما وضح حقائق وصحح مغالطات ، وقد وصلت مشاهدات هذا الفلم لأعداد فاقت التوقعات في الدول العربية ، وحقق نجاح كبير . وقد تم دبلجة هذا الفلم لعدة لغات وعرض في كبرى صالات السينما العالمية .
بل إن الحكومات الإيطالية المتعاقبة منعت عرض هذا الفلم في إيطاليا لمدة ثلاثين عام فلم يعرض في إيطاليا إلا عام 2009 م فالأفلام من أقوى المواد الإعلامية في التأثير لثلاثة أمور : الأول: أنها مادة محببة لجميع شرائح المجتمع الكبير والصغير الرجل والمرأة المثقف وغير المثقف ، بعكس البرامج الحوارية والإخبارية وغيرها من البرامج المخصصة لفئات معينة . بل كثيراً ما يشاهد الناس أفلاماً يجهلون اللغة التي يتحدث بها الفلم وهذا لا يمكن حدوثه في غير الأفلام. الثاني : كل مشاهد مهما اختلفت رغبته سيجد ضالته في الأفلام ، فمن يحب الإثارة والأكشن سيجدها في الأفلام ، ومن يهوى الكوميديا والترفيه سيجدها في الأفلام ، وكذلك القصص الاجتماعية الطويلة و أفلام الرعب …..إلخ . الثالث : لغة الصورة هي أبلغ اللغات ،ومن خلال المشاهد المرئية في الأفلام يختزل العقل الباطن مئات الألوف من الصور سواء التي تتعارض مع المبادئ والقيم أو التي تتماشى معها و مع مرور الوقت تتزعزع القناعات والمبادئ ، وقد تصل لدرجة الثورة عليها وهذا ما يطلق عليه غسيل الدماغ وغسيل المخ. فإذا كانت الأفلام بهذا الحجم من التأثير ولها ذلك القدر الكبير من الأهمية ، فمن الطبيعي أن تحظى بقدر كبير من الاستثمار حيث يعد مجال الأفلام وصناعة الأفلام مجالا خصبا وواعدا ، وعوائد الاستثمار في صناعة الأفلام تصل في بعض الأحيان لأرقام فلكية وقد وصلت الأرباح في بعض الأفلام العالمية إلى خانة المليار . ولن نحتاج إلى تفصيل في هذا الموضوع فالمعرّف لا يحتاج إلى تعريف ، وسيكون تركيزنا هنا على الاستثمار الفكري والثقافي . فعلى سبيل المثال : لو سألنا عينات من الشباب من جميع الدول العربية ، ماذا تعرف عن القضية الفلسطينية ؟ ففي الغالب ستكون الإجابة سطحية : بأن اليهود احتلوا فلسطين وهذا كل ما في الأمر ، وكل ما يعرف . فلو افترضنا أننا أنتجنا فلماً مثيراً عن القضية الفلسطينية ، يوضح أبعاد القضية في إطار من الإثارة التشويق والمغامرة، وبحرفية عالية تصل لمستوى العالمية ، ثم عرضنا هذا الفلم على الجماهير العربية وسُوِق له كما يجب . أجزم قاطعاً أن النظرة للقضية الفلسطينية ستتغير عند الملايين من الشباب العربي وسيكون ذلك أبلغ من ألف بل من مائة ألف محاضرة في هذا الموضوع ، وسيساهم ذلك في نصرة القضية الفلسطينية بشكل يفوق التصور ، حيث سينتشر الوعي بأهمية ومحورية القضية الفلسطينية عند شريحة بأيديها المستقبل . مثال آخر : من الأمور المسلم بها أن الإبداع والإبتكار منشؤه ومصدره من الخيال وسعته . ومن وهنا تتجلى أهمية أفلام الخيال العلمي المعدومة في العالم العربي (*) . فلو أنتجنا فلم خيال علمي عالي المستوى تدور قصة ذلك الفلم عن مغامرات بوليسية في المستقبل ، تستخدم فيها أسلحة مستقبلية كأسلحة الليزر ، وعرضنا بأسلوب ذكي وشيق بعضاً من تطبيقات الليزر الحقيقية والواقعية وأهميتها مع بعض التوقعات أو الخيال المستقبلي لتطور الليزر ماذا ستكون النتيجة ؟ النتيجة أننا بذلك الفلم زرعنا وبشكل غير مباشر حب الفيزياء وبالأخص فيزياء الليزر لدى المشاهد ، وبإيحاءنا الإيجابي هذا نكون قد وجهنا مشاهدين يصل عددهم للملايين إلى التوجه لهذا المجال ودفعناهم للإبداع في شيء غرس حبه و الاهتمام به في نفوسهم منذ الصغر . وأورد هنا قصة حصلت لي شخصياً ، في أحد دروس الفيزياء في المرحلة الثانوية تعلمنا أن عجلة الجاذبية الأرضية تساوي (9.8 متر /مربع الثانية) ، وكانت تُضرب لنا بعض الأمثلة غير الواضحة أو في أحسن الحالات أنها كانت بعيدة عن الواقع ، وكنا نجيد استخدام القانون في حل المسائل دون أن نعرف ماهيته وتطبيقاته الفعلية .
وبعد عدة سنوات شاهدت فلم كرتون يابانياً وفي اللحظات المثيرة لذلك الفلم حاصرت العصابة أبطال الفلم في إحدى ناطحات السحاب ، وكان أقرب مبنى لتلك الناطحة ناطحة أخرى تقل عنها بخمسة أدوار وتبعد عنها عشرين مترا ، وحين أراد أبطال الفلم القفز إلى الناطحة المجاورة بدأوا يحسبون قوة الدفع التي يحتاجونها حتى يفلتوا من قوة الجاذبية الأرضية ويصلوا للمبنى المقابل ، وكان ذلك باستخدام قانون عجلة الجاذبية الأرضية والتعويض بمعاملات المسافة والزمن وهنا فقط عرفت التطبيق الفعلي والفائدة الكبرى لهذا القانون الفيزيائي في مدة يسيرة لا تتجاوز العشر دقائق . وهو مالم يحصل في عدة حصص تعليمية . وقس على ذلك جميع العلوم المختلفة ، علوم الفضاء والطيران ،وعلوم الحاسب الآلي ، الطب ، الهندسة. إلخ . ما ينبغي التنبه له أن الأمثلة الآنفة الذكر لا يمكن تحقيقها مالم تُستكمل أدوات النجاح ويُتقن العمل لأن المنافسة في عصر الانفتاح العالمي شرسة جداً والتحدي كبير ولا مكان للضعفاء ولا نجاح للأعمال الهزيلة .
صناعة الأفلام لدى المؤسسات الإعلامية الهادفة التي تعنى بالإعلام بأهدافه السامية هو ما نريده في هذه المقالة . ففي العقد الأخير وتحت مظلة الانفتاح الإعلامي العالمي ، خرجت مؤسسات إعلامية إسلامية أطلقت عشرات الفضائيات ومئات المواقع والشبكات الإعلامية والاجتماعية الضخمة على الشبكة العالمية . ومن هنا كانت البدايات في صناعة الأفلام الهادفة والموجهة ، وكأي بداية كان العمل غير مكتمل أو بعبارة أخرى مازال في مراحله الأولى وبقى أمامه الكثير للوصول لمراحل متقدمة يصل بها للعالمية . فمما يٌلاحظ على نِتاج صناعة الأفلام لدى المؤسسات الآنفة الذكر ما يلي : 1ـ المسلسلات والأفلام جُلها إن لم تكن كلها تدور حول الجانب الاجتماعي والمشاكل الاجتماعية ، مع إهمال كامل للجوانب الأخرى ، كالتاريخية والخيال العلمي وغيرها . 2ـ الأفلام والمسلسلات الكوميدية كثير منها غثاء، وبعضها يصل لدرجة السخف والاستخفاف بالمشاهد ، وكأن المراد منها ملء وقت البث ليس إلا . 3ـ المال قوام الأعمال : الاستثمار والإنفاق في مجال صناعة الأفلام عند هذه المؤسسات ـ أقولها من دون مبالغة ـ لا يصل حتى لربع العُشر مقارنة مع غيرها . صحيح أن الغير مدعوم وبقوة إلا أن مؤسسات الإعلام الهادف قادرة على أكثر مما قدمت بكثير . 4ـ افتقار هذه المؤسسات فيما يخص الأفلام للإدارة الاحترافية والخبرات اللازمة للوصول لمستوى العالمية ككتابة القصة والسيناريو والإخراج وغيرها من مراحل الإنتاج . 5ـ طغيان التنافس على التكامل بين مؤسسات الإعلام الهادفة . فبالرغم من أن التنافس ضروري لتوليد الإبداع والتطوير ، إلا أنه يجب أن لا يكون على حساب التكامل ، فما دامت الأهداف والغايات مشتركة ، فإنه يمكن الاشتراك بين عدة مؤسسات إعلامية في إنتاج فلم احترافي وهذا سيكون أفضل بكثير من عدة أفلام هزيلة غير مكتملة الأركان . وللإنصاف فإن المؤسسات الإعلامية الهادفة في مجال صناعة الأفلام تواجه صعوبات كبيرة مقارنة مع المنافسين من الجانب الآخر ، بحكم ضوابط الشريعة ، فعلى سبيل المثال : المرأة والموسيقى وهما عاملا جذب وإثارة وتأثير كبير ، لا يمكن إدخالهما ضمن صناعة الأفلام ، وهذا الأمر يمثل تحدياً كبيراً إلا أنه يمكن تعويضه جزئياً وإكمال النقص من هذا الجانب إذا اكتملت جميع أركان العمل من غيره . فعلى رواد هذا الإعلام وصُناعِه ، الإدراك أن الاستثمار في مجال صناعة الأفلام لا خسارة فيه _ بشرط الدخول بقوة _ خصوصاً أن الأفلام تتكيف وبشكل عجيب مع التطور السريع للإعلام فهي طاغية على الإعلام الفضائي ، وهي حاضرة بقوة في الإعلام الشبكي ،وهي واعدة بلا شك في الإعلام المستقبلي (الكفي ) إعلام الهواتف الذكية . —————————————— (*) لا أعني هنا أفلام الخيال العلمي الغربية المترجمة والمدبلجة فهذه منتشرة في الوطن العربي وضرها أقرب من نفعها لما يصحبها من فساد وإفساد للأخلاق والقيم الروحية .
الثلاثاء أغسطس 27, 2024 6:00 am من طرف 
