يقدر العابث ان يبدا من الصفر٠

انه مثل صيني عريق يمجد دور التخطيط العلمي السليم من أجل بناء مستقبل واعد,تماما كما يرفض جميع الاستنتاجات العبثية التي لا تبني على دراسة ولا يتعدى مصدرها مجرد حدس غير مدروس.الامر يذكرنا بما سمي سابقا بمدرسة العابثين او مدرسة العبثية التي نشأت بأوروبا على انقاض الحرب العالمية الاولى والتي تدعي ان الانسان كائن ضائع ما لم يكن لسلوكه معنى في حياته المعاصرة,وانه يصير كائنا يجتر افكاره بعد أن فقد القدرة على تقدير الاشياء وايلائها اهتمامها المستحق وحجمها الطبيعي.





ما أحالني على هذه المقدمة هو ما يشهده النظام التعليمي المغربي ومعه العربي من محاولات اصلاح تصرف عليها ميزانيات ضخمة دون أن تجد طريقها للفلاح. الامر يشبه صب المياه في صحراء قائحلة لا نبات فيها.تماما كما يشبه السير بأعين مغمضة وفكر محدود جدا,غير قادر على تقدير الامور بحجمها الطبيعي.






قبل سنوات اطل علينا الميثاق الوطني للتربية والتكوين كمشروع ضخم بأهداف رنانة.اخد الجدل في تطبيقه ما أخد وخضع للكثير من الشد والجدب الى ان رسى على شكل نهائي ومقبول من طرف جل المتدخلين في حقل التربية والتكوين.هذا الميثاق ركز بشكل أساسي على نظام التعليم فغير التسميات وحدد اطارا جديدا للعمل داخل المؤسسات واضاف لرجل التعليم مسؤوليات من شأنها أن تجعله أكثر فعالية تربويا وتعليميا .كما جعل الادارة التربوية اكثر سلطة ومنحها اختصاصات واسعة جدا لتطوير العمل داخل المؤسسات التعليمية.






كل هذا لم يغير في واقع الحال شيئا.فالمستويات في تراجع مستمر ,بل زادت سرعة اندحارها والشواهد التعليمية صارت مصداقيتها مصدر تساؤل نظرا لضعف مستويات حامليها.هذا الواقع سرع بإيجاد ما سمي بالمشروع الاستعجالي لاصلاح التعليم.انه اصلاح لاصلاح تبث فشله.فما هي اسباب فشل الميثاق الوطني للتربية والتكوين ؟






ان تشابك الاطراف المتدخلة في العملية التعليمية يجعل من الضروري النظر اولا في وضعية هؤلاء المتدخلين وجعلهم اكثر قابيلية وتحفيزا للفاعلية داخل الحقل التعليمي.ولا يمكن تصور نجاح مشروع تعليمي دون دور المعلم والمتعلم كحلقتين اساسيتين.من جهة اولى لم يتمكن الميثاق من ايجاد حلول جدرية لتحفيز التلميذ واصلاح علاقته بالمدرسة كمؤسسة تربوية وتعليمية مثيرة وذات جادبية.فلم نرى انشطة ولا مفاهيم جديدة داخل اسوار المدرسة 






بل وجدنا المزيد من المتخرجين الجدد العاطلين عن العمل والذين يزيدون من احباط المتعلمين ويجعلهم اكثر نفورا من مؤسسة تعتبر طريقا معبدا للبطالة وفقدان الامل.بالتالي لا يمكننا الحديث عن اصلاح دون ربط المنتوج المدرسي بواقع سوق الشغل وهذه حلقة غامضة في الميثاق.من جهة ثانية,لم يعمل الميثاق الوطني للتربية والتكوين على تحسين وضعية المعلم ماديا ومعنويا بل زاد من مسؤولياته دون الزيادة في راتبه.الامر الذي ادى الى مزيد من التعنت والمقاومة الصامتة حينا والعلنية أحيانا لهذا الميثاق الذي لم يجلب سوى مزيدا من المتاعب.وبقيت التساؤلات الكبرى لرجال التعليم,كنظام الانتقالات والترقية وغيرهما,معلقة الى حين.






ان الاصلاح الحقيقي هو الذي ينبني على دراسة معمقة لواقع الدولة اجتماعيا واقتصاديا.وليس فقط ذلك الذي يأتي جاهزا من تربة غير تربتنا كرد فعل على ما يعيشه التعليم من ارهاصات وتحديات وفشل ذريع.ولن ينجح اي اصلاح لم يأخد بعين الاعتبار كل المتدخلين في الحقل التعليمي.وبدون ذلك سنبقى دائما نراوح مكاننا ونخسر المزيد ونعيد من الصفر.فلا غرابة ان نظم نحن ايضا لمدرسة العبثية.