شهد مجال الهندسة الوراثية (Genetic Engineering) اهتماماً بالغاً من العلماء، على أمل أن يكون الحل لكثير من المشكلات الطبية الراهنة التي لا يمكن حلُّها بغير هذه التقنية ، فهو علم يهتـم بدراسة التركيـب الوراثي للمخلوقات الحية من نبات وحيـوان وإنسـان عن طريق الحمض النووي DNA الذي يكوِّن المادة الوراثية، هذا الحمض النووي موجود على هيئة سلاسل طويلة أو سلسلتين طويلتين جداً من مواد كيميائية تسمى القواعد النيتروجينية.
ويتم دراسة هذه السلاسل ومحاولة فك شفراتها بهدف معرفة القـوانين التي تتحكم بالصفات الوراثية لهذه المخلوقات، ومحاولة التدخل في تلـك الصفات تدخلاً إيجابياً، وتعديلها لإصلاح العيوب التي تطرأ عليها، مما يعني إنتاج سلالات ذات صفات مقصودة بعينها، ويتم ذلك بأخذ سلسلة جين وقطعها وعن طريق إنزيمات خاصة ومواد خاصة يتم لحمها بمادة أخرى , وبذلك يمكن إنتاج جينات جديدة عن طريق عملية القطع والوصل. وبما أن الهندسة الوراثية تعني التدخل المباشر بالتركيبة الفطرية للمخلوقات الحية , فإن هذا التدخل يثير عدداً من الأسئلة والتحفظات الفقهية والعلمية، فبعض الفقهاء يعتبرونه تغييراً في الخَلْق منهياً عنه شرعاً، وبعض علماء البيولوجيا يخشون من نتائجه المحتملة التي قد تهدد الحياة كلها على سطح الأرض، وهناك جدلاً واسعاً حول أخلاقيات الاستنساخ، خصوصا مع تطوير الأساليب وبدء تطبيقها على البشر.
تطبيقات الهندسة الوراثية:لا يقف تطبيق علم الهندسة الوراثية على مخلوق بعينه، فهو يسعى إلى فهم التركيبة الوراثية لكل الكائنات على حد سواء، ولكن التركيز يتم على الكائنات المرتبطة بالإنسان، وقد كان في الماضي يتم التحسين الوراثي عن طريق التزاوج بين أفراد السلالة أو النوع الواحد لأن هناك حواجز أو عوائق بين الأنواع يصعب اختراقها، إلا أن العلماء تمكنوا في السنوات الأخيرة من التغلب على هذه العوائق باستخدام البيو تكنولوجيا الحديثة، بل وأمكنهم تبادل المادة الوراثية بين أجناس وأنواع مختلفة تماماً
وكأن الحدود الفاصلة بين الكائنات الحية على اختلاف أنواعها من حيوانات وحشرات ونباتات قد اختفت وإلى الأبد , وبناء عليه فقد تظهر كائنات لم نكن نعرفها من قبل.
النعجة دوللي:نالت هذه النعجة شهرة لم يحظ بها الكثير من البشر فهي أول حيوان ثدي يتم استنساخه بنجاح من خلية جسمية لحيوان آخر بالغ، وقد تم استنساخها في معهد روزلين في جامعة أدنبرا في أسكوتلندا بالمملكة المتحدة، وقد تم التخلص منها عن طريق القتل الرحيم بعد أن أظهرت الفحوص البيطرية أنها مصابة بمرض صدري في حالة متدهورة.
عودة الحيوانات المنقرضة إلى الحياة:بعد النجاح الذي حققته عملية استنساخ النعجة دوللي إنفتح الباب على مصراعيه أمام الحيوانات التي قد انقرضت كالماموث الذي وُجد متجمداً ومحتفظاً بكامل هيأته، فهو أقرب ما يكون إلى الفيل أي يمكن حضنه عن طريق أنثى الفيل ليتم ولادة الماموث من جديد
كما أنه يمكن عودة الديناصورات إلى الحياة وذلك في حالة تم فك شفرتها الوراثية، ولكن ما يطمئنني أنّ معظم بقايا الديناصورات هي عبارة أن أحافير لا تحتوي على بقايا تمتلك شفرة وراثية واضحة
النباتات المعدلة وراثياً:تعاني المحاصيل الزراعية من الكثير من الأمراض والأوبئة ولكن عن طريق تحسين شفرتها الوراثية يمكنها التغلب على هذه الأمراض وزيادة إنتاجيتها وحجمها، وسيتم توريث هذه الصفات الحسنة إلى الأجيال القادمة، كما يمكن نقل صفات جيّدة من نبات إلى آخر فهناك نباتات تتمتع بقدرة كبيرة على تحمل البرودة الشديدة والجفاف، فيمكن إكسابها صفات جديدة تجعلها صالحة للاستخدام كغذاء أو كعلف مثلاً، أو محاولة خلط نبات مع آخر لإنتاج نبات جديد
جيل جديد من الفيروسات:هناك فيروسات لا تصيب إلا الإنسان وأخرى خاصة بالحيوان، وتختلف أنواع الفيروسات في صفاتها وقوتها وضعفها ومقدرتها على مقاومة العقاقير، ولكن ماذا لو تم تعديلها في المعمل لإنتاج جيل جديد من الفيروسات لا يتأثر بالعقاقير! بالتأكيد هذا سيؤدي إلى كارثة عالمية تهدد الحياة البشرية على سطح الأرض.
الجينوم البشري:مع اكتشاف غوامض ومكنونات الجينوم البشري، ازداد وضوح كون العديد من الأمراض التي نصاب بها نحن البشر، وحتى استجاباتنا للعوامل المُعدية، تتأثر بصورة كبيرة بتركيبتنا الجينية، مما يعنى فرصة أكبر لتحسين الصفات البشرية وزيادة مناعة البشر، أي إمكانية إنتاج سلالات من البشر تحمل صفات خارقة ومناعة قوية ضد الأمراض، ولكن ماذا لو تم استخدام هذا الأمر بصورة لا أخلاقية لإنتاج بشر بصفات حيوانية خارقة أو وحشية
أو محاولة لعودة بعض الشخصيات التاريخية إلى الحياة؛ بالتأكيد لن يكون الشخص الجديد هو نفس تلك الشخصية ولكنه صورة طبق الأصل من ذلك الشخص تم إنتاجها عن طريق تكاثر لا جنسي كما هو الحال في النباتات، وحتى الآن غير معلوم كيف ومتى سيصبح استنساخ الإنسان ممكناً عملياً ولكنه متوقع قريباً جداً، فماذا لو إعادة هتلر من
جديد.